يُعتبر زيت المحرك من العناصر الأساسية في أي سيارة، بل هو بمثابة الدم الذي يجري في عروق المحرك. كثيرًا ما يُغفل السائقون أو مالكو السيارات عن أهمية زيت المحرك ودوره المحوري في الحفاظ على أداء السيارة وعمرها الافتراضي. وفي واقع الأمر، فإن الإهمال في صيانة الزيت أو اختيار النوعية غير المناسبة قد يؤدي إلى تلف أجزاء المحرك أو حتى تعطله الكامل. لذا فإن الفهم الجيد لطبيعة زيت المحرك، وظيفته، خصائصه، وكيفية اختياره وتغييره، يُعد أمرًا بالغ الأهمية لكل من يملك أو يقود سيارة.
تطورت زيوت المحركات بشكل كبير على مر العقود، فأصبحت اليوم تحتوي على تركيبات معقدة من الزيوت الأساسية والمواد المضافة التي تتيح لها أداء مهام متعددة تتعدى مجرد التزييت. تشمل هذه المهام تنظيف المحرك من الرواسب، منع التآكل، تقليل الاحتكاك، تبريد الأجزاء الداخلية، وغيرها من الوظائف الحيوية. وفي هذه المقالة الطويلة، سنغوص في عمق موضوع زيت المحرك، وسنُناقش بالتفصيل كل ما يرتبط به من أنواع، وظائف، مواصفات، طرق اختيار، علامات انتهاء صلاحيته، وحتى الأسئلة الشائعة حوله.
وظيفة زيت المحرك
الوظيفة الأساسية لزيت المحرك هي تقليل الاحتكاك بين الأجزاء المعدنية داخل المحرك أثناء التشغيل. فمع دوران الأجزاء بسرعات عالية ودرجات حرارة مرتفعة، تتولد قوى احتكاك كبيرة قد تُسبب تآكلًا شديدًا إن لم يتم تزييتها بشكل مستمر. يعمل الزيت كحاجز بين هذه الأجزاء، مما يسمح لها بالتحرك بسلاسة دون تلامس مباشر، وبالتالي يطيل من عمر المحرك ويُقلل من استهلاك الطاقة.
إلى جانب التزييت، يؤدي زيت المحرك دورًا مهمًا في التبريد الداخلي. فبينما تقوم منظومة التبريد (الرادياتور) بتبريد المحرك من الخارج، يقوم الزيت بتقليل درجات الحرارة داخل أجزاء المحرك. كما يُساعد الزيت في تنظيف المحرك من الرواسب، حيث يحمل الجزيئات الدقيقة الناتجة عن الاحتراق والتآكل إلى الفلتر ليتم التخلص منها، مما يمنع تراكم الأوساخ ويحافظ على كفاءة الأداء.
أنواع زيوت المحركات
توجد أنواع متعددة من زيوت المحركات تُناسب احتياجات مختلفة للسيارات. من بين هذه الأنواع: الزيت المعدني، والزيت الصناعي (الاصطناعي)، والزيت شبه الصناعي. يُستخرج الزيت المعدني من البترول الخام ويُعتبر الأقل تكلفة، لكنه لا يوفر حماية كافية في الظروف القاسية. أما الزيت الصناعي فيُنتج مخبريًا ليتمتع بتركيبة متجانسة ومواصفات عالية، مما يجعله الخيار الأفضل لمحركات الأداء العالي أو في البيئات القاسية.
الزيت شبه الصناعي يُعد مزيجًا من النوعين السابقين، حيث يُقدّم توازنًا جيدًا بين الأداء والسعر. يُفضّله كثير من السائقين الذين يقودون سياراتهم في ظروف متوسطة ولا يحتاجون إلى حماية قصوى، لكنه يظل خيارًا جيدًا لمن يسعى إلى تقليل استهلاك الوقود وتحسين كفاءة المحرك دون تكلفة مرتفعة. اختيار النوع الأنسب يعتمد على توصيات الشركة المصنعة، ونوع السيارة، وعادات القيادة.
كيفية اختيار زيت المحرك المناسب
اختيار زيت المحرك المناسب لا يعتمد فقط على النوع، بل أيضًا على درجة اللزوجة التي يحددها المصنع. تُشير درجة اللزوجة إلى قدرة الزيت على التدفق في درجات حرارة مختلفة. تُعبّر هذه الدرجة برموز مثل 5W-30 أو 10W-40، حيث يشير الرقم الأول إلى اللزوجة في البرد، والثاني إلى اللزوجة في الحرارة. من المهم الالتزام بالدرجة الموصى بها في دليل السيارة للحصول على أفضل أداء ممكن.
إلى جانب اللزوجة، يجب الانتباه إلى المعايير المعتمدة مثل API أو ACEA، وهي معايير جودة تُحدد مدى تطور تركيبة الزيت وقدرته على حماية المحرك. استخدام زيت غير مطابق لهذه المعايير أو مختلف عن الموصى به قد يؤدي إلى تآكل داخلي، أو نقص في الكفاءة، أو حتى تلف مبكر لأجزاء المحرك. لا تُخاطر باستخدام زيت أرخص على حساب جودة الحماية.
متى يجب تغيير زيت المحرك؟
تغيير زيت المحرك بانتظام يُعد من أهم إجراءات الصيانة الوقائية. تختلف الفترات الموصى بها لتغيير الزيت حسب نوع الزيت المستخدم وظروف القيادة. على سبيل المثال، قد تحتاج الزيوت المعدنية إلى تغيير كل 5000 كم، بينما تستمر الزيوت الصناعية حتى 15000 كم. بعض السيارات الحديثة تحتوي على حساس إلكتروني ينبه السائق عند الحاجة إلى التغيير، لكن يُفضل دائمًا التحقق من دليل المستخدم.
يُنصح بتغيير الزيت عند ملاحظة تغيّر لونه إلى الأسود الكثيف، أو عند انخفاض مستواه بشكل متكرر، أو عند سماع أصوات غير طبيعية من المحرك. التأخير في تغيير الزيت يؤدي إلى تراكم الرواسب، وتآكل الأجزاء، وقد يصل في بعض الحالات إلى توقف المحرك عن العمل. التغيير المنتظم للزيت يُطيل من عمر السيارة ويُقلل من الأعطال.
علامات تلف زيت المحرك
هناك عدة علامات تدل على أن زيت المحرك لم يعد يؤدي وظيفته بشكل فعال. من بين هذه العلامات ظهور ضوء تحذير الزيت على لوحة القيادة، أو سماع صوت طرق أو طقطقة من المحرك، أو حتى ملاحظة دخان أسود أو أزرق يخرج من العادم. هذه الإشارات قد تعني أن الزيت فقد لزوجته، أو أن مستوى الزيت منخفض، أو أن المحرك يُعاني من تآكل داخلي.
كما أن استهلاك الزيت بشكل مفرط أو تسريبه من تحت السيارة من العلامات التي لا ينبغي تجاهلها. يجب فحص السيارة عند أي علامة غير طبيعية، والتأكد من مستوى الزيت باستخدام عصا القياس. تجاهل هذه الإشارات قد يؤدي إلى أضرار جسيمة في المحرك، تصل أحيانًا إلى الحاجة لتبديله بالكامل، مما يُكلّف آلاف الدراهم أو الدولارات.
أسئلة شائعة حول زيت المحرك
من أكثر الأسئلة الشائعة: "هل يمكن خلط أنواع مختلفة من الزيوت؟" والإجابة هي أنه من الأفضل تجنب ذلك، لأن كل نوع زيت يحتوي على مواد مضافة مختلفة قد تتفاعل سلبًا عند خلطها. كما يسأل البعض: "هل من الضروري تغيير الفلتر عند كل تغيير زيت؟" والإجابة نعم، لأن الفلتر يحتوي على الرواسب ويمنعها من العودة للمحرك، وإذا تُرك بدون تغيير قد يُسبب انسدادًا في نظام التزييت.
سؤال آخر يُطرح كثيرًا: "هل الزيت القديم يفقد لزوجته فقط، أم تتغير خصائصه كليًا؟" في الحقيقة، الزيت لا يفقد لزوجته فقط، بل تتكسر تركيبته الكيميائية مع الوقت ويُصبح غير قادر على أداء وظيفته بكفاءة. ولهذا فإن التغيير المنتظم ليس رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على سلامة المحرك وأدائه العالي. كذلك، يُستحسن دائمًا استعمال زيت ذي علامة تجارية موثوقة ومعتمدة.